الفنّانة التّشكيليّة عبير عربيد

**حسين أحمد سليم** · 06-01-2011

الفنّانة التّشكيليّة عبير عربيد
فعل تمرّد فنّي على الأصول الفنّيّة

بقلم: الدّكتور حسين أحمد سليم

انتشر الفنّ التّشكيلي على نطاق واسع, وانتشرت معه حركات المذاهب والموجات والبدع والتّقاليع الفنّيّة, وخلق كلّ فنّان من الفنّانين الكبار مذهبا خاصّا به, بحيث لم يرض في كثير من الأحيان الإنضواء تحت لواء مذهب مُعيّن, لأنّه رأى في هذا إنكارا لحرّيّته الفنّيّة وتعارضا مع الأصالة التي أصبحت من مرادفات العبقريّة الخلاّقة... ولم تعد البراعة تُقاس بمدى إلتزام الفنّان بالقواعد والأصول الأكّاديميّة الصّارمة, فمارس الفنّان العصري فعل التّمرّد الفنّي على نطاق واسع...
أقامت الفنّانة التّشكيليّة عبير علي عربيد معرضها الأوّل في العام 1996 للميلاد, واستخدمت في عناصر لوحاتها الخطوط الدّائريّة بين إنسيابات قوسيّة وملتوية ومتموّجة, واستخدمت أيضا حركة التّلوين الرّومانسيّة لمساحات لوحاتها, واستنبطت فعل التّرميز المباشر الذي اعتمدت فيه الكثير من المصطلحات العاطفيّة, وذلك على حساب حركات الفعل التّعبيري الكثيف... أسلوب فنّي خاصّ اعتمدت عناصره التّشكيليّة الفنّانة عبير علي عربيد, وما زالت تستخدم هذا الأسلوب إنّما بكثير من التّطوير والتّحديث وتكثيف حركات الفعل التّعبيري في نتاجها الفنّي الجديد... وكأنّ الفنّانة التّشكيليّة عبير علي عربيد تجنح للإنفلات والتّحرّر من القيود الأكّاديميّة, وهي تمتطي صهوة فعل التّمرّد على المسارات الفنّيّة والمذاهب السّائدة... طامحة في محاكاة ذاتيّة لخلق مدرسة خاصّة بها تلبية لطموحاتها التي تتفاعل في كوامنها, تودّ في ما ذاهبة إليه توكيد كينونتها في حالة مغايرة لم هو قائم, لافتة نظر المشاهد والمتتبّع لحركات الفنون التّشكيليّة لرؤى لها بعض الخصوصيّات, تسم جميع أعمالها بصبغة تدلّ عليها حتّى وإن لم تُعلن عنها تقليديّا...
تقوم الفنّانة عبير علي عربيد ببذل جهد كبير في صنعتها الفنّيّة, بتحميل لوحتها حرفة عالية من العناصر الفنّيّة وتقنيّات عديدة من الخطوط والألوان... وتقوم الفنّانة بملء مساحات مشهديّات لوحتها بنمنمة دقيقة وكثيفة ورقش كثيف, ليتحول عملها الفنّي إلى استعراض لمهاراتها اليدويّة... وهي بذلك تنفلت من الذّهاب إلى البحث عن الرّؤى والمفاهيم الفنّيّة, وتبتعد عن المعالجات التي تُظهر الخصوصيّة الذّاتيّة, أو تُبرز أسلوبا إحتجاجيّا لواقع معيّن, لتخلص إلى العمل على المضيّ في زخرفة الواقع الذي تعيش وتُعاني منه بما يُحاكي دواخلها...
استخدمت الفنّانة عربيد حروفيّات منظومة أبجديّة لغة الضّاد في لوحات نصّيّة, فرسمت نصوصا قرآنيّة تهجس بأسلوب زخرفيّ بأشكال مختلفة تُقارب هندسة وفنون الخطوط العربيّة, أكثر ممّا تُقارب اللوحة الحروفيّة... وعملت الفنّانة عربيد على رسم وتشكيل الوجوه المُعبّرة, فأتى عملها مُعبّرا بما يؤسّس لبناء لوحة تعبيريّة خاصّةتختزن بالكثير من الإنفعالات الدّاخليّة, وهو ما يحملها للإبتعاد عن الإستغراق في المشهديّات الشّكليّة, باحثة عن جماليّات بصريّة خارجيّة, تُعتبر امتدادا للفنون الزّخرفيّة التي ترسم شخصيّة الفنّانة وتسمها بها...
تستخدم الفنّانة عبير علي عربيد أدوات فنّيّة متعدّدة في عملها الفنّي, حيث ترسم بقلم الحبر وبألوان الزّيت والأكريليك والأكواريل... ويتنوّع أسلوب الفنّانة بين مجموعة وأخرى من إنتاجها الفنّي, وتتغيّر طبيعة الحوارات اللونيّة في مشهديّاتها, بحيث تنتقل من الرّقش الدّقيق والنّمنمة إلى المساحات الرّحبة, ومن التّصوير الواقعي الفوتوغرافي إلى أسلوب التّجريد العفوي, ومن الرّسم السّريع الحرّ إلى الرّسم المتأنّي الملتزم, وتنتقل من إكثار التّفاصيل والخوض فيها وتقديم ما يشبه السّجّادة اللونيّة, إلى فعل الإختصار وتقديم صيغ شكليّة خاطفة ووامضة...
العمل الفنّي بشكل عام الذي أنتجته وتنتجه الفنّانة عبير علي عربيد, يدخل في سياق الأسلبة الفنّيّة من جهة, ويوحي بالأسلوب المدرسي والمنهج الأكّاديمي من جهة أخرى, مهما حاولت الفنّانة التّحرّر من الأسلبة والأكّاديميّة, والتّمرّد على المذاهب والمدارس الفنّيّة, لتبني شخصيّتها الفنّيّة الخاصّة وتوكّد مساراتها الفنّيّة من خلال موسقتها الذّاتيّة التي تُنشدها...